هل الشهادة عن طريق التفجير الانتحاري تقود المؤمن إلى الجنة أم إلى النار؟

لربما سمعت بالآية القرآنية “وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَ‌بِّهِمْ يُرْ‌زَقُونَ” آل عمران، الاية 169

هذه كلمات جميلة عادة ما تُذكر للدلالة على شرف بذل المرء حياته في سبيل الله. حيث يدعو الله جميع المسلمين لبذل الوسع في اتباع صراطه المستقيم، لكن ما يجب بيانه هو حقيقة صراط الله المستقيم وماهي الأفعال المباحة للمؤمن.

ستقول لك العديد من الجماعات التي تزعم اتباع دين الإسلام الحنيف أنه من الصواب والمباح أن تبذل حياتك جهادا من أجل الصالح العام، ولربما يكون ذلك صحيحا في بعض الحالات، لكن ماذا لو تضمن هذا الطريق التضحية بحياة شخص من أجل قتل الآخرين… كقيادة سيارة مفخخة او حمل حزام ناسف؟

لو كنت ستبذل حياتك بهذه الطريقة، حالماً بنهايتك المجيدة، ألن ترغب بالتأكد من ذهابك الى الجنة بدلاً من الخلود في نار جهنم؟

ومن الضروري أن يسأل المرء نفسه هذه الأسئلة قبل الإقدام على هكذا مهمة: هل يكون الشخص شهيداً حينما يفجّر نفسه لقتل الآخرين؟ هل يكون شهيداً في سبيل الله؟ وإن كان كذلك، فما هو جزاؤه أو جزاؤها الأبدي؟ أم أنّ هنالك عقوبات أبدية لفعلٍ كهذا؟ وماذا لو تضمن الأمر قتل أُناس أبرياء؟

ولنتكلم فيما يخص السؤال الأول، فالإسلام يحرّم قطعاً تضحية الإنسان بحياته لتحقيق هدف ما، حيث أتفق أغلب العلماء المسلمون على أن فعل الإنتحار ليس محرما لتأثيره، بل لان الله يحاسب على الأعمال بناء على نية من يقوم بالعمل. فلو كانت نية الإنتحاري الإبتدائية هي التضحية بنفسه، والتي غالبا ما تكون كذلك حينما يفخخ نفسه، أو حينما يوافق على قيادة سيارة مفخخة باتجاه هدف ما، فهذا لا يجوز، إذ إن أغلب العلماء المسلمين أجمعوا على أنه قد تبوأ مقعده من النار.

حيث يقول الله جل جلاله في كتابه المبين: “وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً” النساء، اية 29

هنالك بالطبع حوادث في التاريخ الإسلامي تدل على البسالة، إلا أنه لا يوجد أي مثال إطلاقا على إعتبار الإنتحار أسلوباً عسكرياً مقبولاً للانتصار على العدو. خذ على سبيل المثال البراء من مالك، احد صحابة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) الشجعان.

حيث أمر البراء الباسل أصحابه: “احملوني على ترس على أسنة رماحكم وألقوني في الحديقة قرب البوابة. فإما أن أبلغ الشهادة وإما أن أفتح لكم البوابة.”

وسرعان ما كان البراء النحيل، لكن القوي، متربعا على ترس. وحمل الترس عدد من المقاتلين برماحهم ثم ألقوه في حديقة الموت وسط حشد من رجال مسيلمة الكذاب. فهبط عليهم كالرعد ومابرح يقاتلهم أمام البوابة  وقد أردى بسيفه العديد من جند مسيلمة قتلى، فضلاً عن إصابته بجراحات عديدة قبل أن يستطيع فتح البوابة.

اندفع المسلمون الى حديقة الموت ودخلوها من أبوابها ومن فوق الجدران، وكان القتال مريرا ومحتدما حيث سقط المئات من الرجال قتلى. لكن في النهاية ظفر المسلمون بالنصر على مسيلمة وسقط الأخير قتيلا.

نُقل البراء الى المدينة على مهد. وأمضى خالد بن الوليد شهرا يعتني به ويداوي جروحه. وسرعان ما تحسنت حالته. وقد ظفر المسلمون بالنصر على مسيلمة بسبب البراء.

وعلى الرغم من شفائه من جراحه، مابرح البراء يحلم بالشهادة في ميدان المعركة، الأمر الذي استعصى عليه في حديقة الموت. واستمر يقاتل المعركة تلو الأخرى سعيا وراء هدفه الذي تحقق في معركة تستر في أرض فارس.

كان الفرس في تستر محاصرين في إحدى قلاعهم الحصينه. وكان الحصار طويلا، وحينما اصبحت تأثيراته غير محتملة، تبنوا استراتيجية جديدة. قاموا بإلقاء سلاسل معدنية مربوطا في نهايتها خطافات من الحديد شديدة الحرارة من فوق جدران القلعة. أطاحت هذه الخطافات بالمسلمين حيث انتهى بهم الأمر إما صرعى أو على شفير الموت.

أصابت إحدى الخطافات أنس بن مالك، اخو البراء. وحالما رأى البراء ذلك، قفز بدوره على جدار القلعة وأمسك بالسلسلة التي ظفرت بأخيه وأخذ بنزع الخطاف من جسده. وأخذت يده تحترق، إلا أنه لم يستسلم حتى تحرر أخوه من الخطاف.

استشهد البراء في هذه المعركة. وكان قد دعا الله أن يمنحه الشهادة.

وبالفعل، فقد قاتل البراء ببسالة واستشهد.

وعقب عدة قرون، شكل تنظيم القاعدة فرقة مكونة من انتحاريين سماها بفرقة البراء بن مالك، وهذا في حقيقة الأمر عار، فضلاً عن قلة الإحترام تجاه هذا الصحابي الشجاع. لقد أساء قادة تنظيم القاعدة تفسير شجاعة البراء، إذ اعتبروا بسالته كعمل انتحاري. وكان غرضهم من ذلك تبرير أجندتهم المسلحة والتي تتعارض مع المبادئ الأساسية للإسلام.

فالإنتحار محرّم بنص كتاب القرآن، إذ يقول الله جل جلاله: “وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا. وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا، وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا” النساء اية 29-30

فمن يقتل نفسه فمصيره في نار جهنم، لذلك على المسلمين أن يفكروا مليا قبل يخسروا حياتهم الوحيدة من أجل نفع الآخرين. ولن يكون جهل الإنسان عذراً له يوم الحساب أمام الله عزوجل.

وحينما تفكر ملياً بهذا الأمر، ضع في حسبانك للحظة تساؤلا مفاده: لماذا ترسل جماعة معينة إنتحاريا؟ الجواب: لأنه أمر فعّال، بالإضافة الى خدمته للجماعة وأهدافهم بصورة جيدة. فليس هنالك ماهو أفضل من قنبلة بشرية للتأكد من ضرب الهدف وبث الرعب في صفوف العدو. يستطيع الإنسان أن يغير طريقه حتى ولو في اللحظة الأخيرة، وحقيقة أن نظام التوصيل يتم تدميره في الإنفجار يؤكد عدم وجود أدلة كافية يمكن استخدامها للوصول الى الجماعة المدبرة. حيث تعتبر هذه الطريقة فعالة جدا ومميتة بالنسبة للجماعة المدبرة. ومن وجهة نظر الجماعة، فالعمليات “الاستشهادية” من هذا النوع هي جيدة مادام المؤيدون للجماعة مؤمنين بها.

وفي حين تقول بعض المجموعات أنه من المقبول استهداف الأهداف العسكرية في عمليات من هذا النوع، إلا أننا سنسأل مجددا عن حكم الإسلام الصريح في حرمة الإقدام على الإنتحار. فإن كانت النية هي النصر عن طريق الإقدام على الإنتحار فهو محرم.

ويكون التحريم مشدّداً حين يكون هدف الانتحاري تفجير نفسه وسط المدنيين الأبرياء. إذ أن اغلب الجماعات الإرهابية التي تستخدم هذا الأسلوب وسط المدنيين تزعم أن المدنيين ليسوا بأبرياء. حيث أنهم انتخبوا حكومتهم ليحصلوا على مناصبهم، وأن هذه الحكومات، كما تزعم الجماعة الإرهابية، على خطأ. أو أن هؤلاء المدنيين يدعمون مليشياتهم. أو لربما يكونون في إحتياطي الجيش أو أنهم سيكبرون لينضموا الى الجيش. لكن ماذا يقول القرآن عن قتل الأبرياء؟ وعن إيذاء النساء والأطفال؟

“مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا” المائدة، اية 32

من سيحبذ أن يحاسب على جريمة قتل الناس جميعا؟

وفي حين يوافق أغلب المسلمين على أن بلوغ الشهادة ليس بالأمر المرغوب فحسب، بل أن بلوغ الشهادة باتباع صراط الله المستقيم هو الشرف الأسمى، وهي الطريقة المثلى للظفر بواحدة من أعظم عطايا الله. فيكون السؤال هنا بكل بساطة: ماهو الصراط المستقيم؟ والأهم من ذلك هل تود أن تكون مخطئا في اختيار الطريق الذي يجب عليك اتباعه؟ حيث انه من الممكن ان يقودك إلى النهاية الخاطئة!

اقرأ المزيد عن تبريرات التفجيرات الإنتحارية وأدلة تحريمها قبل الإيمان الأعمى بأنها ستقودك الى الشهادة.

بعض الحقائق المشوقة عن الشهداء المسلمين…

هل تعلم بأنه في السنوات الأولى للإسلام لم يكن ثمة شهداء سقطوا في الميدان؟ حيث أن الشهادة كانت تعد نتيجة الموت غرقا و الموت في مخاض الولادة بل حتى الموت حرقا. وألحق بالشهداء  من يموت جراء سقوطه من شاهق والمبطون (من توفي جراء مرض في بطنه). حيث يعتبر الشهداء من هذه الأنواع من شهداء الآخرة، لأنهم سيحصلون على عطايا الشهيد. إلا أنهم يعاملون في هذه الحياة كأناس عاديين. حيث أنهم يُغسّلون ويُكفّنون ويُصلّى عليهم.

وهنالك أيضا شهيد هذه الحياة فحسب. حيث أنه يقاتل تباهيا ليس إلا، ولكي يقول، “انظروا الى شجاعتي…الخ”. وحين الموت من المحتمل أن يعامله أقرانه كالشهيد حيث أنه لا يُغسّل ولا يُكفّن ولا يُصلّى عليه. لكن في سيكون في الآخرة خاسرا كما قال النبي محمد (صلى الله عليه وسلم).

أختر بحكمة. واتبع نصيحة من سبقك.

الأخبار

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.